مذبحة سحرية بنكهة عربية : لغز مجزرة عزبة شمس الدين لا يزال دون حل !!

 

ليس من الشائع التطرق إلي حوادث وقضايا جرت على أراضي عربية ضمن قوائم القضايا المتعلقة بالسحر والشعوذة والخيمياء ،لكن الحقيقة فإن للثقافة العربية باع طويل في شئون السحر والفنون السوداء المختلفة ،وللثقافة العربية نوعها الخاص والفريد من الدجل ،ألا وهو السحر المرتبط بفتح واستخراج الدفائن والمقابر الأثرية ،ينتشر هذا الأمر خاصة في مصر ،التي تشتهر بميراثها الضخم من اللقى والمقابر الأثرية ،الزاخرة بنفائس تاريخية لا تقدر بثمن .
اشتهرت مصر بميراثها الأثري والمتاجرة فيه منذ القدم ،لكن أشهر قضية وحدث لفت الأنظار إلي تلك الكنوز المحجوبة وأهميتها المادية العالية كان اكتشاف خبيئة الدير البحري طاغية الشهرة .
كانت تلك الخبيئة واحدة من عجائب التاريخ الكبرى ،فبينما كانت مصر تواجه تدخلا أجنبيا متزايدا في شئونها ،وترزح تحت ميراث غليظ وتستعد لحقبة الاحتلال الانجليزي السوداء ،كانت ثمة عائلة مصرية صميمة في قرية القرنة ،غرب الأقصر ،تعاني خلافات وتناحرا داخليا ،ولم يتخيل أحد أن خلافا عائليا بين "محمد عبد الرسول" وأخوته سيفتح الباب أمام أعظم كشف أثري في التاريخ الحديث كله ،بصفة عامة ومنذ وضع العالم يده على كنوز الخبيئة المذهلة عام 1881 ،حتى اجتاحته حمي البحث عن كنوز وآثار الفراعين المدفونة ،ولكن لما كانت سمعة المقابر المصرية القديمة بوصفها مستودعات للكنوز ،يقوم عل حراستها جند خفي من المخلوقات فوق الطبيعية ،أو ما يُسمون بالجن ،فقد ظهرت تجارة أخري موازية ،وهي تجارة فتح تلك الدفائن باستعمال فنون السحر المضاد ،للتغلب على قوي الجن الراصد الحارس ،وكان من أشد تلك الطرق فعالية ونجاحا هو تقديم أضحية بشرية على باب المقبرة المنشودة !
كثيرة هذه الحوادث التي حصل فيها اختفاء لأحد الأشخاص ،ثم أشيع أنه خُطف ليكون قربانا داميا للجن المتعطش للدماء ،مقابل التصريح للباحثين المتلهفين بوضع أيديهم على الكنوز الهائلة ،لكن ذلك الأمر لا يهمنا منه إلا نقطة واحدة ،وهي حادثة بني مزار ( عزبة شمس الدين ) ،التي سنحللها منطقيا وجنائيا لنعرف على وجه اليقين ما إذا كانت لها صلة بأمر تقديم القرابين البشرية ،أم أنها شيء مختلف تماما !
...

لعل كثيرين ،خاصة من ولدوا في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم يذكرون جيدا تلك الحادثة الأشهر ،التي هزت الأوساط المصرية كلها ،وأحدثت حالة تخبط وبلبلة وفوضي في التعليل ،والبحث وراء المسببات والدوافع ،حين استيقظت قرية مصرية صغيرة ،بقعة دافئة تقع في شمال الصعيد ،على أخبار مروعة لا يمكن أن يصدقها أحد ،بدأ اللغز الكبير باكتشاف جثتي أم مسنة ونجلها من قبل ابن المجني عليها الثاني ،بعد لحظات وجدت فتاتان أربعة أفراد من عائلتيهما ،الأب والأم وأخوين (أخ وأخت) جثثا هامدة أيضا ،وفي توقيت مقارب وجد طالب في المرحلة الإعدادية والديه وأخاه وأخته جثثا أيضا ،وبلغت المأساة ذروتها بوفاة الطفل المسكين رعبا وهلعا وحزنا في نفس الساعة ،وفي حصيلة نهائية بلغ عدد ضحايا مجزرة الخميس التاسع والعشرين من ديسمبر عام 2005 عشرة ضحايا ،وأحد عشرة بإضافة الولد المسكين الذي قضي حزنا على عائلته ،كانت طريقة القتل متشابهة ومتماثلة ،القتل ذبحا ،ثم تشويه الجثث ،كانت عملية التشوية منظمة جدا وموحدة ،لم تكن مجرد عبث عشوائي بأجساد القتلى ،بل كانت كل ضحية تتعرض لبقر بطنها ،ثم قطع عضوها التناسلي إن كان الضحية ذكرا ،أو تشويهه إن كانت أنثي !
كان ذلك حدثا ربما لم تشهد مصر مثيلا له من قبل ،حادثا نشر الرعب والفزع في كافة أنحاء البلاد ،أما في مسرح الجريمة نفسها ،عزبة شمس الدين فقد ظل رجال العائلات يحرسون بيوتهم ،وأسرهم كل ليلة مدججين بالسلاح زمنا بعد الحادث المروع .
كانت مسارح الجريمة الثلاثة تحمل سمات مميزة ،فسوي التشويه الموحد ،كانت كل المنازل المنكوبة الثلاث في شارع واحد ،لغز آخر يرتبط بوجود أفراد آخرين في مسارح الجريمة لم يتم قتلهم ،لكنهم ،وهذا غريب جدا ،لم يسمعوا شيئا أثناء ساعات الليل ،ولم يلاحظوا شيئا غريبا حتى اكتشاف الجثث المضرجة بدمائها في الصباح ،استمر اللغز وتعاظم مع اختفاء الأعضاء التناسلية المبتورة من مسارح الجرائم ،إضافة إلي أمر غريب جدا ،وهو تعرض الحمام والطيور المنزلية التي كانت  تربي على أسطح منازل الضحايا ،كما هي العادة في الريف والمناطق الشعبية ،للذبح أيضا ،والأغرب أنه لم تكن توجد لا علامات كسر أو اقتحام لمنازل الضحايا ،ولا دلائل على المقاومة أو محاولة الدفاع من قبل أحد المغدور بهم ،رغم وجود ثلاثة رجال بالغين وأصحاء ،واحد في كل منزل تعرض سكانه للقتل والذبح !

كان اللغز محيرا ،والمصاب عظيما ،التفسيرات الاعتيادية لم تكن لتشفي الغليل ،أو تجيب على سلسلة الأسئلة المحيرة والغامضة :
1-   كيف  دخل الجاني كل بيت دون  علامات كسر أو تحطيم أو اقتحام ؟
2-   كيف لم يقم أي فرد من ضمن الضحايا بمقاومة المعتدي؟
3-   كيف لم يشعر الضحايا بدخول الجاني ،أو بقيامه بقتل آخرين أثناء نومهم ،مع أنه في أثنين من الجرائم كانت هناك أكثر من ضحية قتلت في نفس الغرفة ؟
4-   كيف لم يحس أفراد المنزل الآخرين بحدوث المجزرة ؟
5-   كيف أخذت الأعضاء المبتورة بعيدا ؟
6-   لماذا تم تشويه وبتر الأعضاء التناسلية تحديدا ؟
7-   كيف خرج الجاني وأنتقل من بيت إلي بيت دون أن يشعر أحد في الشارع كله ؟
8-   كيف ذهب القاتل دون أن يترك دليلا أو أثرا خلفه ؟
9-   ما سبب ذبح الحمام في مسرح أحد الجرائم ؟ ولما كلف الجاني نفسه مشقة التخلص من بضع حمامات لا يمكن أن تشي به أو ترشد إليه ؟
10-                     لماذا اختير هؤلاء الضحايا تحديدا ،رغم وجود فوارق واختلافات وتباينات كبيرة بينهم ،ذكور وإناث ،أشخاص بالغين وأطفال ،امرأة مسنة ؟
11-                     إذا كانت جميع البيوت التي تعرضت لتلك الجرائم الرهيبة لم يُسرق أو يُختلس منها شيء فلماذا تم تنفيذ المذبحة ؟
12-                     وأخيرا اللغز الكبير هل يُعقل أن شخص واحد ،مهما كانت قوته البدنية ،أو ذكاءه وقدرته على التخطيط والتنفيذ ،يستطيع أن يقتل هذا العدد الكبير من الضحايا في ليلة واحدة ،مع ما هو معروف بأن الضرب العنيف والذبح وبقر البطون ،وانتزاع الأعضاء تحتاج كلها قوة بدنية ،وجهدا يجعل تكرار نفس السيناريو في ذات الليلة ،ومن قبل نفس الشخص ،مستحيلا من أي وجهة نظر كانت ؟!
قائمة مرعبة من الأسئلة والألغاز ،لكن القوي الأمنية بذلت أقصي جهدها واضعة كل التفسيرات الممكنة في اعتبارها .
ظهر خليط كبير من الشائعات والأقاويل والتفسيرات ،وكان لهول الحادث وضخامته أثر كبير في تحويله من جريمة قتل وتشويه جماعية ،إلي قضية رأي عام بامتياز ،كانت كل الاحتمالات قائمة ،وخاض الوعي الشعبي في بحاره المألوفة ،فظهرت شائعات حول كنز مصري قديم مرصود ،أي عليه رصد أو حارس من الجن ،وأن الحارس طلب قربانا من عشرة قتلي ،خمس رجال وخمس إناث ،إضافة إلي خمس أفراد من الحمام ،تذبح وتقدم قربانا مع الأعضاء الذكرية والأنثوية المنتزعة ،إضافة إلي افتراضات وتحليلات رجال الأمن والفحص الجنائي العلمية والمنطقية .
تواصلت تحقيقات رجال الأمن ،ونشطت عمليات البحث والتقصي ،وتمت مناظرة واستجواب بعض الأقرب للشبهة من سكان القرية ،مثل المجرمين أو المختلين عقليا أو الأشخاص المهتزين نفسيا .
وسرعان ما تم وضع اليد على ثلاثة مشتبه بهم من أهل العزبة ،كلهم من المهتزين نفسيا ،وحين عثرت قوات الأمن على جلباب وفردة حذاء ملطخين بالدماء ظن الجميع أن الايقاع  بالجاني قد صار قريبا جدا ،وأخيرا أعلن عن القبض على الجاني ،أو المشتبه به الأول !
بقية القصة تكاد تكون معروفة للجميع ،بداية من اتهام "محمد علي أحمد عبد اللطيف " ،الشاب ذو السبعة والعشرين عاما والذي يعاني عاهات نفسية يعالج منها منذ فترة ،بجرائم القتل العشرة ،ونهاية بالحكم الصادم الذي صدر في 6 سبتمبر عام 2006 معلنا تبرئته من جميع التهم الموجهة إليه ،استنادا إلي عدة دلائل كلها تشير إلي أن الجريمة تمت بمعرفة عدة أشخاص ،يملك أحدهم أو بعضهم مهارة جراحية فائقة ،كما أن فردة حذاء ملطخة بالدماء وجدت في مسرح أحد الجرائم الثلاث ،وثبت عدم رجوعها إلي أحد المقيمين في المنزل المنكوب ،كان مقاسها أصغر من مقاس المتهم بثلاثة درجات ،أي أنها لا تخصه ولا تناسبه قولا واحدا ،ومع ذلك الحكم الناجز اغلقت القضية لتبقي بدون حل حتى يومنا هذا !
 
خلفية مهمة : الجن يحرقون منازل البلينا !
قبل تلك المذبحة المروعة بسنوات قليلة شهد مركز البلينا ،الواقع في محافظة سوهاج جنوبا ،والمشهور بعمليات التنقيب عن المقابر المصرية القديمة ،خاصة في حدود قرية العرابة ( أبيدوس )،ظاهرة غريبة جدا ،وهي ظاهرة الحرائق المدمرة المفاجئة التي كانت تقضي على بيوت بكل محتوياتها ،وتهدد زمام قري بأكملها ،وترافقت تلك الحرائق التي تركزت في مجموعة قري في جنوب المركز ،خاصة قرية الحجز والقري القريبة منها ،مع أحداث وشائعات غريبة ،فشهد عدد ممن وقعت تلك الحرائق في منازلهم أو بالقرب منها، برؤية أجسام طائرة مشتعلة ،تشبه الطيور الصغيرة ،تحط على أسطح بيوتهم ،التي كانت عادة مغطاة بالبوص والحطب ،ولا تلبث النيران أن تندلع في الأسطح ،ومنها إلي بقية أجزاء المنزل ،وأحيانا كثيرة تمتد الحرائق إلي المنازل المجاورة ،تطورت الشائعات التي تبرر ظاهرة الحرائق الفجائية المكررة ،حتى اصطدم بعضها بأمور عقدية وطائفية لا يصح مناقشتها أصلا !
شائعات أخري أشد غرابة تكلمت عن مسحوق يتطاير في الجو فوق القري المنكوبة ،وما يكاد يلمس حطبا أو بوصا إلا وأشعله مسببا حريقا مدمرا ،ظهرت شائعة تتكلم عن مسحوق حارق أيضا في حادثة قطار الصعيد الشهير( قطار العياط) ،التي وقعت عام2002  وقضي فيها أكثر من 350 مواطنا نحبهم حرقا ،وسمعت شخصيا كثيرين يرون أمامي قصص الناجين من القطار ،الذين يدعي بعضهم رؤية نثار مسحوق أبيض منتشر فوق أرضية القطار قبيل اندلاع النيران فيه ،كانت تلك الشائعات تملأ البلينا وقراها ،ويؤمن بها الكثير من الناس ،ومع وجود بقعة أثرية هامة جدا في العرابة ،فقد كان كل شيء في النهاية يعزي إلي سبب واحد : الآثار وانتهاك حرمة مقابر المصريين القدماء !
في نفس السياق يوجد أمر أخر  موازي يرتبط بمركز البلينا تحديدا ،وهو أسطورة الماعز الناري أو الشيطاني ،الذي يسبب الحوادث المرورية المكررة قرب مدخل احدي القري جنوب المركز ،والتي تتمتع بسمعة معروفة كأكثر مكان تتدحرج فيه السيارات وتنقلب دون سبب محدد ،وقيل على ألسن بعض السائقين ،الذين يقودون على هذا الطريق خلال ساعات الليل ،أنهم رأوا كائنا يشبه الجدي يظهر لهم فجأة من زاوية الطريق ،وعيناه تشعان بلهيب ناري ،مما يخيف بعضهم ،ويفقده القدرة على التحكم في عجلة القيادة !
لكن هل يمكن أن تكون لمذبحة عزبة شمس الدين علاقة مباشرة ،أو غير مباشرة بقصص فتح المقابر الفرعونية عنوة ،ومحاولات التغلب على الرصد والسحر الحامي الذي يحرس المقبرة ؟!
كلها أسئلة مشروعة جدا ،برغم أن بعضها قد يخالف المنطق أو العقل ،لكن في كل ذلك الركام من التفسيرات المنطقية أو الفوق طبيعية ،هناك نقاط واضحة كل الوضوح ،وعند عرضها والتأكيد عليها يمكننا أن نقر بأن تلك المذبحة لا تزال لغزا حتى يومنا هذا :
1-    من المستحيل أن يرتكب شخص واحد تلك المذبحة وحده ،وفي ليلة واحدة ،فمن المحال ،حتى طبقا لأبسط نظريات وأسس العلوم الجنائية ،أن يسيطر شخص واحد على مسرح جريمة يضم عدة أفراد ،منهم  ذكور وبالغين ،ويرتكب كل جرائمه بنظام وهدوء ،دون أن يكون هناك مقاومة أو محاولات استغاثة .
2-   يبدو أن هناك نمط موحد في  اختيار الضحايا في تلك الجرائم الثلاث ،رجل بالغ واحد ،أنثي بالغة واحدة ،وطفل أو طفلين ،في مسرح الجريمة الثاني تُركت فتاتين ،كانتا تنامان في غرفة فوق السطح ،حييتين وسليمتين ،وكأنهما كانتا زيادة عن العدد أو النسبة النوعية المطلوبة !
1-   وفقا لنظرية السلطات الأمنية فإن الجاني ،أو الجناة ،اقتحموا المنازل من الأسطح ،فكيف تم ذلك دون أن تتم الاستعانة بأدوات مساعدة ،حبال أو سلالم ،وإذا استعلمت الأسطح المجاورة للقفز على المنازل المقصودة ،فكيف لم يسمع أصحاب المنازل المجاورة أية أصوات ،أو يلحظوا أية خطوات غريبة ،لاحظوا أننا نتكلم عن منازل ريفية ،تكون عادة مليئة بالحيوانات المنزلية ،والأسطح نفسها مكسوة بالخشب ،الذي يصدر أصواتا واضحة عند التحرك فوقه .
2-   بعد تبرئة المشتبه به الوحيد في المذبحة ،من المدهش أنه لم يتم القبض على أحد ،أو توجيه التهمة لأى فرد أو مجموعة من الجناة ،مما يقطع بأن من نفذ المذبحة أشخاص محترفين كل الاحتراف ،ولم يخلفوا وراءهم قطعة واحدة من الأدلة الجنائية ،التي يمكن أن تقود إليهم !
3-   بقاء تلك الجريمة المروعة دون حل حتى لحظة كتابة هذه السطور يعني شيئا واحدا ،أنها ستحتاج سنوات طويلة قادمة للوصول إلي حل اللغز ،أو ببساطة أنها لن تُحل أبدا ،وذلك يعني ما يعنيه !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لغز عمره أكثر من مائة عام : من قتل الأخوة مورفي ؟!